سيول الامارات
ربما يُعتبر هذا الوقت النادر منذ عقود هو الذي شهد فيه منطقة الخليج العربي حدوث ظاهرة طبيعية غير عادية، حيث تسببت الفيضانات والسيول في فقدان العديد من الأرواح في عمان وأدت إلى عزل البحرين، قبل أن تمتد إلى الشارقة والفجيرة ورأس الخيمة، وتحولت شوارع دبي وأبو ظبي إلى ما يشبه حمامًا كبيرًا.
يقول خبراء البيئة والمناخ إن سيول الامارات العارمة التي شهدتها الإمارات وأدت إلى خسائر كبيرة، لم تشهدها البلاد منذ أكثر من سبعين عامًا. وأن الأمطار الغزيرة التي غمرت الشوارع والمنازل والأسواق كانت نتيجة لعاصفة كبيرة اجتاحت شبه الجزيرة العربية، وتجمعت قواها في خليج عمان قبل أن تفرغ حمولتها فوق عدة بلدان في المنطقة، بشكل يشبه الرشاشات التي تستخدمها سيارات الإطفاء. ويشير الخبراء إلى أن أي دولة في العالم لن تكون بمنأى عن مثل هذه الظواهر الغريبة، نتيجة لتغيرات المناخ الحادة التي يشهدها العالم، حيث إن هطول الأمطار الغزيرة بشكل متزايد سيكون سيناريو قابل للتكرار في كثير من البلدان، بما في ذلك الصحراوية، مع استمرار ارتفاع درجات حرارة الغلاف الجوي واستيعابه لكميات عالية من الرطوبة وإطلاقها على شكل أمطار غزيرة وربما فيضانات مدمرة.
وما يجذب الانتباه حقًا في الأزمة المناخية الأخيرة التي تعرضت لها الإمارات هو الأسلوب الحكيم والمدروس في التعامل معها، حيث اتسمت الدولة بتبني أسلوب مستنير للتعامل مع الأزمة، لم يقتصر فقط على السلطات الحكومية بل امتد ليشمل مبادرات مجتمعية أخرى ملهمة، منها مبادرة إحدى كبريات الشركات الإماراتية في مجال البناء والتشييد، التي أعلنت التزامها بترميم جميع المباني التي أنشأتها وتضررت جراء الأمطار دون تحميل التكاليف على أصحابها.
ويرى الصديق والأستاذ وليد يوسف في مقال له بصحيفة الخليج أن هذه الأزمات تعتبر اختبارًا لقوة الدول العافية في لحظات الطوارئ، وتثبت صلابة بنيانها الداخلي ووحدة شعبها، فهو اختبار فجائي لوحدة المجتمع والاستعداد للتضحية من أجل الجماعة والرضا بمشاركة الخطر مع الآخرين.
ما قامت به الإمارات في التعامل مع تداعيات تلك الأزمة يستحق الانتباه والتأمل، وقد يكون مثالًا يُحتذى به للتصدي للعديد من الأزمات التي تواجهها مصر وغيرها من الدول، بما في ذلك أزمة ارتفاع الأسعار التي تعاني منها الكثير من الشعوب.
أثار سيول الامارات
أفادت وزارة الصحة الإماراتية في بيان صادر عنها أن “عددًا محدودًا” من الأشخاص قد ظهرت عليهم أعراض مرتبطة بتلوث المياه بعد السيول التي شهدتها البلاد مؤخرًا.
وعلى الرغم من أن البيان الذي نشرته وكالة الأنباء الرسمية (وام) في ساعة متأخرة من مساء يوم الأربعاء لم يحدد عدد المصابين أو يوضح نوع العلاج الذي يتلقونه، إلا أنه أكد أن “عددًا محدودًا جدًا من الحالات قد ظهرت عليها بعض أعراض تأثرها بالمياه المختلطة، وتم تقديم العلاج اللازم لها والتأكد من سلامتها وخروجها من المستشفى”.
وبالرغم من ذلك، لم يذكر البيان أية تفاصيل حول المواد التي تلوثت بها المياه.
تعرضت الإمارات لسيول قياسية في 16 أبريل، مما أسفر عن تعطل الحياة في عدد من المناطق، حيث غمرت المياه الغزيرة أحياء في دبي ومدن شمالية ومناطق أخرى. ووفقًا لتقرير من رويترز، فقد لقي أربعة أشخاص حتفهم جراء سيول الامارات.
أعلن الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الإمارات، رئيس الوزراء، حاكم دبي، اليوم الأربعاء، أن مجلس الوزراء قد خصص مبلغ ملياري درهم (حوالي 545 مليون دولار) لمعالجة الأضرار التي لحقت بالمنازل نتيجة المنخفض الجوي الأخير الذي تسبب في سيول عارمة في عدة مناطق بالبلاد.
وأشار الشيخ محمد في تغريدة على حسابه في منصة تويتر إلى أن لجنة وزارية قد تم تكليفها بمتابعة هذا الملف وحصر أضرار المساكن وصرف التعويضات بالتعاون مع بقية الجهات الاتحادية والمحلية.
كما أكد أن الحكومة شكلت أيضا لجنة لحصر أضرار السيول والأمطار على البنية التحتية واقتراح الحلول والإجراءات على مستوى الدولة، وذلك برئاسة وزارة الطاقة والبنية التحتية وعضوية وزارة الدفاع والداخلية والطوارئ والأزمات وغيرها من الجهات الاتحادية بالإضافة لممثلين من كافة الإمارات المحلية، وفقًا لوكالة أنباء العالم العربي.
وتعرضت الإمارات لهطول أمطار غزيرة هي الأكبر في 75 عامًا منذ بدء حفظ السجلات، مما أدى إلى إصابة مناطق واسعة من البلاد بالشلل وتكبد أضرارًا كبيرة.
وحاصرت السيول السكان في الشوارع والمكاتب والمنازل، حيث أبلغ العديد عن تسرب المياه إلى منازلهم، وأظهرت لقطات متداولة على وسائل التواصل الاجتماعي مراكز تجارية تجتاحها المياه من الأسطح.
تعتبر هطولات الأمطار في الإمارات ظاهرة نادرة الحدوث نظرًا لمناخها الصحراوي الجاف، حيث تتجاوز درجات الحرارة فيها خلال الصيف 50 درجة مئوية.
يشير خبراء المناخ إلى أن الاحتباس الحراري هو السبب الرئيسي وراء الظواهر الجوية المتطرفة، ومن المتوقع أن يؤدي تغير المناخ إلى ارتفاع درجات الحرارة وزيادة الرطوبة وزيادة خطر الفيضانات في مناطق بالخليج.
وقد وجه الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الإمارات، الجهات المعنية بسرعة حصر الأضرار وتقديم الدعم اللازم للأسر المتضررة.